تتسارع الأحداث في الشمال السوري، وبدأت تحركات المعارضة السورية في الاقتراب من قلب سوريا. كل تقدم للمعارضة يعني فرضاً للسيطرة على مناطق جديدة في إدلب وحلب، حتى وصلوا إلى حماة. في وسط هذا المشهد شديد التغير برز اسم محدد ليُربط بعملية انقلاب من شأنها أن تغير كافة الموازين.
حسام لوقا، وهو أحد أبرز الشخصيات في النظام السوري. ويشغل منصب رئيس إدارة المخابرات العامة أو المعروفة أحياناً بإدارة أمن الدولة. الأقوال التي انتشرت في الساعات الماضية تتمحور حول وجود خلافات عسكرية كبيرة بين رجال العاصمة السورية، دمشق. وأن ثمة اشتباكاً عنيفاً بين حسام لوقا ورجاله من ناحية، والفرقة الرابعة وشعبة الأمن العسكري من ناحية أخرى.
يكفي أن يكون حسام لوقا في جانب ما لنعرف أن هذا الجانب له ثقل سياسي وعسكري كبير. فالرجل يُعرف باسم عنكبوت المخابرات نظراً لأنه المسئول عن عديد من الملفات الأمنية المعقدة، وقدرته على الموازنة بين مزيج كبير من المصالح المتشابكة.
وُلد لوقا في خناصر بريف حلب عام 1964. بدأ حياته المهنية ملازم شرطة عام 1984، لكن انتهى به الأمر في مديرية الأمن السياسي، بعد ترقيته وحصوله على رتبة عقيد. تلقى ما يشبه التدريب على القيادة في مديريات المخابرات في عفرين ودمشق. لكن لاحقاً أصبح رئيساً لفرع الأمن السياسي في حمص عام 2004.
لكن مع اندلاع الثورة السورية عام 2011 تم نقله ليكون رئيساً للمخابرات فرع حماة. لم يلبث هناك طويلاً فقد جرت إعادته سريعاً إلى حمص بعد أن اشتعلت فيها الثورة، وبدأ النظام السوري في ممارسة القمع الوحشي للمتظاهرين. الحاجة لعودة لوقا لم تكن لدبلوماسيته أو قدرته على الحوار، لكن لقدرته على ترتيب الآليات القادرة على قمع المتظاهرين، والفتك بأكبر عدد ممكن من المدنيين، كما ترى الولايات المتحدة.
فقد ظل لوقا هو صاحب الدور المركزي في حمص طوال 5 سنوات بعد أن عاد إليها. وفرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات عليه بتهم مثل تدبير مجازر متعددة بحق المدنيين. كذلك فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على اللواء لوقا بسبب مشاركته في تعذيب المدنيين والمتظاهرين.
فأصابع الاتهام تشير إلى لوقا فيما عُرف إعلامياً باسم مجزرة العيد في حي الوعر، التي حدثت في خريف عام 2015، حيث تم قصف مكان للعب الصغار فارتقى 19 شخصاً، منهم 14 طفلاً. وتواترت الأخبار أن لوقا كان المسئول عن تحديد الأهداف الواجب قصفها في ذلك التاريخ.
لكن تلك العقوبات لم تردع النظام السوري، ولا حتى اضطرته للتخلي عن لوقا، بل ترقى في يوليو عام 2016 ليشغل منصب مساعد مدير مديرية المخابرات العامة. وكانت علاقات لوقا بأهل خناصر هي التي أمنت شريان الحياة لقوات النظام السوري لسنوات.
ففي عام 2012 سقط جزء مهم من طريق حل الرئيسي بيد الثوار، وأصبح مستحيلاً على قوات النظام الحصول على أي إمدادات. لكن مرت قوات النظام من طريق بديلة تمر من خناصر، مما أبقى على وجود قوات النظام في حلب. خناصر رغم أنها واحدة من أفقر مناطق سوريا، مما يجعلها وقوداً للثورة والنقمة على النظام الأسدي، إلا أن لوقا عمل على تجنيد أعداد كبرى من شباب المنطقة، مستغلاً جهلهم وحاجتهم المادية.
لعب لوقا عبر هذا المنصب دوراً في صفقات المصالحة التي أعلن عنها النظام السوري. في غضون ذلك قاد لوقا، شخصياً المفاوضات لإخراج مقاتلي المعارضة السورية من حي الوعر بحمص في مايو 2017. وفي نوفمبر عام 2018، عُين مديراً للأمن السياسي، وبعد ثمانية أشهر أصبح رئيس شعبة المخابرات العامة، ولا يزال في هذا المنصب حتى اليوم.
لا يمكن أن يوجد في هذا المنصب الحساس رجل لا يوافق عليه الجانب الروسي، باعتبار روسيا راعية النظام السوري الأساسية، لذا ليس مفاجئاً ما تتناقله وسائل الإعلام عن العلاقة القوية بين لوقا وروسيا إلى درجة جعلت خبراً نشرته بعض وسائل الإعلام غير الموثوقة تقول فيه، إن روسيا قامت بتعيين حسام لوقا رئيساً للمجلس العسكري في دمشق بعد هروب بشار الأسد من البلاد، هذا الخبر لقي رواجاً في الداخل السوري لمعرفتهم بمدى التقارب بين الرجل وروسيا.
لقاء بين رئيس المخابرات السورية حسام لوقا وضباط روس في طفس (سوريا)
مما دفع سفير إيران في دمشق، حسين أكبري، إلى نفي ما تردد عن انقلاب عسكري يقوده اللواء حسام لوقا في دمشق، أو محاولة اعتقال الرئيس السوري بشار الأسد. وأضاف أكبري قائلاً، إن الأخبار التي تنشرها بعض المنصات الإلكترونية الإيرانية عن دمشق فاجأت الحكومة الإيرانية. موضحاً أنه يرى أنه لا توجد أخبار على المستوى الرسمي مثل الموجودة في الإعلام، وخص منها الحديث عن الانقلاب.
لا يمكن بالطبع عزو كل المسار الذي سلكه لوقا على الدعم الخارجي أو ولائه للنظام فحسب. فوفقاً لتحليل نشره معهد الشرق الأوسط منذ عامين فإن صعود لوقا من ملازم شرطة إلى رئيس إحدى مديريات المخابرات الأربع في سورية يُعد أمراً لافتاً بحد ذاته. خصوصاً أنه حقق ذلك كشركسي من ريف خناصر، محروم من الامتيازات وشبكات المحسوبية التي يمكن الوصول إليها من قبل معظم العلويين، والنخبة السنية في المناطق الحضرية.
كما تطرق التحليل إلى لقب العنكبوت الذي أُطلق عليه، فنقل عن مجموعة من الذين التقوا به أنهم يصفونه بأنه رجل ذكي ومتحدث ماهر، تجعله حياته المبكرة في ريف حلب ماهراً بشكل خاص في التفاوض مع قادة المعارضة بطريقة المدرسة القديمة لضباط البعث، وأن العلويين غالباً ما يكونون غير قادرين على ذلك. ويضيف التحليل، أنه قد نجحت طبيعة لوقا القاسية والهادئة في حشد حلفائه الأقوياء من حلب إلى اللاذقية ودمشق، مما أكسبه لقب العنكبوت.
إلا أنه، وبعيداً عن التحليلات، إذا كانت الأنباء حول الانقلاب صحيحة، وتولى لوقا منصباً يجعله يدير المسألة السورية بأكملها، فإنه من غير المستبعد أن يختلف الرجل عن بشار الأسد. فمسيرة حسام لوقا توافق نفس المسار الوحشي الذي مشي فيه النظام السوري. بدايةً من قتل المتظاهرين السلميين إلى إنشاء ميليشيات أقامت عدداً من المصالحة القسرية بين المجتمعات المعارضة، فقد كان لوقا مشاركاً في كل خطوة في استراتيجية الأسد المضادة للثورة. لذا فمن المستبعد أن يتغير الرجل، أو ينقلب على نفسه في لحظة واحدة، حتى وإن انقلب على شخص بشار الأسد.